عندما يمر الرجل من مكان تتجمع فيه النساء فإن الجميع يطالبه بأن يغض بصره ولا يلتفت يمينا أو يسارا، لأنه إذا التفت.. مجرد التفاتة صغيرة فإنه لحظتها سيوصف ومن دون أي تردد بأن «بصره زايغ» أو «نسوانجي» أو «راعي حريم» أو «متصابي» وفي أسوأ الأوصاف يطلق عليه «قليل أدب وما يستحي» لأنه التفت ناحية النساء.
فإذا اضطرته الأمور إلى أن يتحدث مع إحدى السيدات أو الآنسات فإن أول ما يخطر في بال هؤلاء النسوة هو أن هذا الرجل يريد أن يتحرش بهن أو يتقرب منهن وأن الموضوع الذي يريد أن يسأل عنه ما هو إلا ستار وجسر لكي يستطيع أن يتحدث معهن، وهذا الرجل متهم منذ اللحظة التي قرر أن يتحدث فيها مع هذه السيدة أو تلك الآنسة.. حتى لو كان الأمر في صميم عملها، ولو أنها كانت هي المسؤولة عن هذا العمل أو الإجابة عن استفسارات الناس، وكأن الرجل ليس له هم في الحياة سوى النساء.
فإذا فكر في أن يذهب إلى طبيب الأسنان وصادف أن الطبيبة كانت امرأة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن هذه الطبيبة حسناء كانت أو غير حسناء هو أن هذا الرجل لا يعاني من أي ألم، وأنه لم يأت إلى العيادة إلا لينظر إليها ويتحدث معها، وأنه يستغل أسنانه من أجل تحقيق هذا الهدف السامي الكبير في نظر المرأة، حتى ولو كانت أسنان هذا الرجل نخر فيها السوس حتى شبع وتكسرت جوانبها حتى ظهر العصب على السطح، وبلغ به الالتهاب حتى كادت تنفجر المينا عنده، وانتفخ فمه حتى لم يعد أنفه يظهر على وجهه.. كل ذلك لا يشفع لهذا الرجل المسكين ويقنع هذه الطبيبة بأن الرجل لم يأت إلى العيادة إلا من أجل العلاج وليس من أجل عينيها الفاتنتين.
ولو سقطت عربة الأغراض في الجمعية التعاونية أو السوق المركزي من امرأة من كثرة مشترياتها وازدحام العربة بما فيها، فسارع رجل لمساعدتها ومحاولة رفع العربة المسكينة التي تئن تحت وطأة المشتريات، فإن أول ما تفكر فيه المرأة هو أن هذا الرجل لم يأت من أجل مساعدتها، بل يستغل الفرصة لينظر إلى مفاتنها عبر ثيابها، وإن كانت هذه الثياب لا تحتاج إلى محاولة رفع العربة لرؤية المفاتن.. وأنه لم يترك عمله ويتفرغ لمساعدتها إلا لكي «يعطيها الرقم» وإذا لم يفعل ذلك فإنه يخطط لتصوير مفاتنها من الداخل بهاتفه النقال، وإذا لم يفعل فإنه يريد أن يقترب لكي يشم عطرها ثم يتغزل بها، وإذا لم يفعل.. فهو عديم الذوق.
وإذا وقفت سيارة الشرطة عند سيارة فيها امرأة توقفت بها سيارتها في الطريق لكي يساعدها، فإن هذا الرجل متهم منذ اللحظة التي قرر أن يقف فيها ويساعدها، وأن هدفه من الوقوف هو أن يعطيها رقم هاتفه النقال لكي تتحدث معه، فإذا لم يفعل ذلك فإنه كان سيهم بذلك لولا أنها هي «لم تعطه وجها» ولم تعطه الفرصة لذلك، وإذا تركها ولم يساعدها فإن هذا الرجل الشرطي عديم الذوق وخال من الرجولة لأنه رأى امرأة في الشارع ولم يساعدها.
إذا خرج الرجل من البيت فإنه متهم لأنه خرج بحثا عن المرأة والنساء الساقطات، وإذا جلس في القهوة فإنه متهم لإنه يريد أن ينظر إلى النساء في المقاهي، وإذا خطط لعمل تجاري فإنه يسعى من أجل أن يزيد دخله الشهري ورصيده في البنك لكي يتزوج على زوجته المسكينة، وإذا جلس في البيت ولم يخرج فهو متهم لأنه جلس في المنزل هربا من عشيقته المزعومة.
يظل الرجل متهما في نظر المرأة في كل حالاته وأوقاته وشؤونه، وتظل المرأة تعيش حالة الهلع والخوف والترقب في كل وقت وحين، ولا يسلم الرجل من الاتهام أبدا.. حتى عندما يموت وينتقل إلى الحياة الآخرة فهو متهم في عينيها لأنه ذهب هناك إلى الحور العين!!